الروتين وأهميته في المونتيسوري
الروتين وأهميته في المونتيسوري :
في كلّ يوم تتردد على مسامعنا كلمات ٌعدة ومن ضمنها ” الروتين ” ، ترى ما مدى ارتباط الروتين بمنهج المونتيسوري ؟ وهل فعلاً يساعد الأطفال على فهم العالم من حولهم ، كيف يمكن ذلك ؟
بالنّسبة لنا كأهلٍ ومربيين ، ففي جعبتنا إدراك قويّ للعالم من حولنا ولكلّ تفصيل نعيشه في يومنا ، وذلك ينمو ويتجدد بعدد السنوات التي نعيشها والخبرات التي نكتسبها باستمرار. لكنّ بالنسبة لطفل صغير فالعالم مكان جديد مجهول ، وكل يوم بالنسبة له سيكون مغامرة جديدة . كما أنّ الإحساس الدائم بأنهم ينتظرون المجهول سيولّد لديهم إحساساً مزعجاً جداً ، لذلك هم بحاجة إلى الشعور بالأمان و النظام لفهم ما يجري حولهم .
الرّوتين يخفف العبء على الشخص الرّاعي للطفل .لأن الطفل عندما يكون لديه روتين ثابت فإنّ إحساس التوقع لما سيحصل لاحقاً سيكون عالٍ ، كذلك مهاراته ستصقل بالتدريب ، و من دون الروتين سيكون الطفل معتمداً اعتماداً كلياً على الشخص الراعي له ، لما يحمله يومه من تغييرات وعدم استمرار على مهارة أو موضوع معين.
* لو أردنا تلخيص أهمية الروتين للأطفال بنقاط محددة فسيكون لدينا الفوائد التالية :
1.الروتين يتطابق ويتآلف مع حاجة الطفل للنظام :
الأطفال حسب ماريا مونتيسوري يمرون بعدة فترات حساسة . وإحدى أهم هذه الفترات هو النظام . وذلك يعني محاولة الطفل المستمرة لتنظيم وتصنيف كل شيء يمرّ فيه خلال يومه . لذا بوجود نظام يوميّ واضح و ثابت سنرى أن الفترة الحساسة والروتين يعملان كوحدة واحدة .
2.الروتين يساعد الأطفال على توقع التالي :
كطفلٍ يحاول تنظيم وتصنيف ما يجري حوله في العالم سيكون متنبهاً ملاحظاً لكلّ الأنماط المتكررة والأحداث و التسلسل الذي يحيط به ، لذلك الروتين سيقدم للطفل كل هذه الاحتياجات . وهنا الطفل لن يتوقع ما الذي سيحدث خلال يومه فقط .
ـ كأن يتوقع ماذا سيفعل بعد وقت الغداء ـ بل سيشارك في هذه الأحداث أيضاً ، وسيبدأ اكتساب المهارات والتعلّم مما يُكرر يومياً . وبالتالي سيساعده هذا في بناء استقلاليته وتحمله للمسؤولية .
3.الروتين يقلل من نسيان الأشياء :
عندما نكرر بعض المهمات يومياً فستصبح لا محالة جزءاً من يومنا ، وبالتالي فإن نسبة نسيان الأشياء ستقل. مثلاً لو كان هنالك روتين لما قبل النوم وقمنا بتكرار نفس الخطوات يومياً فإن نسبة نسيان هذه الخطوات ستقل تدريجياً لأنها ستصبح جزءاً لا يتجزأ من يومنا .
4.الروتين هو حجر الأساس للرياضيات والمنطق :
إنّ القدرة على اتّباع نمط وتسلسل واحد ، يشبه تماماً حلّ مسألة رياضيات تتكون من خطوات عديدة .فعندما ندرب عقلنا على هذه المهارة ستتحول تلقائياً إلى عملية برمجة وستتولد لدينا القدرة على تحليل أي موضوع وتفكيكه إلى خطوات متسلسلة مما يجعلها مهارة عقلية .
ما هي أشكال الروتين ؟
قد يكون الروتين مبنياً على أحداث يومية . مثلاً :
1.وقت النوم : إنّ ما تفعله يومياً قبل الخلود إلى النّوم هو روتين يوميّ ثابت . وهذا سيقلل بالطبع من الصراعات المحتملة و التي تتولد بمجرد أن يحين موعد النوم .
2.وقت النزهة: كل الخطوات والأشياء التي تقومون بها قبل الذهاب إلى أيّ نزهة او مشوار خارج المنزل سيقلل من إمكانية حدوث نوبات الغضب.
3.الحمام :ما الخطوات التي نقوم بها عند استخدام الحمام والعناية الشخصية ؟ عندما نحدد الخطوات و نبدأ في كلّ مرة بها ، ونتحدث عنها من عمر صغير. سيساعد هذا في أن تكون النظافة الشخصية جزءاً مهماً من طبيعة حياة الطفل .
4.وقت الطعام : خاصة ذلك الوقت الذي تتواجد فيه العائلة بأكملها ، بدءاً من تجهيز الطاولة إلى إحضار الأطباق و انتهاءاً بالتنظيف بعد الوجبة . طبعاً كل هذه الخطوات نبدأ بها كروتين يوميّ من عمر صغير .مما يجعل مهارة الاستقلالية تتطور تدريجياً وبالتالي ستصبح جزءاً من حياة الطفل .
مرحلة التخطيط للروتين :
دائماً ابدئي بالأمر الذي يحبه طفلك و يستمتع به . مثلاً إذا لاحظت بأنه يستمتع بتحضير وجبة الطعام ابدئي ببناء روتين عليها . حددي خطوات صغيرة يكون الروتين فيها قليلاً وبالتدريج سيصبح ذلك الروتين متكاملاً . كما يجب عليك مراقبة حاجة طفلك إلى إحداث أي تغييرات في الروتين معتمدة في ذلك على تطورات الطفل وعمره . وفي حال التزمتم بروتين وحدث أيّ ظرف واضطررتم إلى تبديل أوضاعكم فأفضل ما يمكن أن تقدميه لطفلك هو تفهم شعوره واستيائه . خاصة لو كان أقل من 6 سنوات لأنّ وجود الروتين و الإحساس بالنظام الذي يتولد عنه ، هو إحساس مهم جداً له ولن يستطيع تقبل أي تغيير مفاجئ بسهولة .
لكن لو أردت البدء بوضع روتين من نقطة الصفر ، هنا ينبغي التريث . لأنه يجب عليك التفكير بكل التفاصيل . كالأدوات التي تحتاجينها ، و المساحة وكلّ المعلومات التي يجب أن يتضمنها الجدول . كما يجب أن تراقبي طفلك لكي تلاحظي الأنماط التي يمتلكها . لأنك قد تضطرين لتغيير بعض خططك لكي تستطيعي الالتزام به . فقد يحتاج الأطفال إلى أسابيع وأحياناً إلى أشهر لكي يستطيعوا الالتزام بالروتين .
مرحلة البدء بتطبيق الروتين :
هذا قدّ يكون أصعب جزء . لأنكم مقبلون على نمط حياة جديد ، يحتاج منكم التزاماً وعملاً جديّاً كما أنه سيقتطع جزءاً لا بأس به من وقتكم . وهنا ينبغي التنبيه بأن الصبر عامل أساسي لتطبيق أيّ روتين ، فكلما مر الوقت وزاد الالتزام ستصبح الأمور أسهل .وسيبدأ الأطفال بالاعتياد على نمط الحياة الجديد .
إنّ أيّ مجهود ستقدمين على فعله فكري به كاستثمار ناجحٍ للمستقبل.
اسمحي لنا بأن نقدم لكِ بعض النصائح التي يمكن أن تساعدكِ في هذه المرحلة :
- في البداية : قللي من المهام التي تتولينها . لأنكِ عندما تقدمين للطفل نمطاً جديداً ومهارات جديدة سيكون بحاجة لأن يراقبك ويتعلم منك ..
- ابتعدي عن طلب المثالية لأنكم في فترة تدريب . فإذا كنتِ تقومين بعمل مهمة في 5 دقائق، عند تقديمها لطفلك قد تحتاج منكِ 15 دقيقة وهذا طبيعيّ جداً .
- اتبعي الخطوات الواضحة : لا تعتبري نفسك في سباق مع الزمن ، بل تذكري ما الخطوات التي يتضمنها الروتين. فمثلاً لو كان لديكِ مهمة ما في الساعة الرابعة لا نبدأ بروتين تجهيز الوجبة الخفيفة في الساعة الثالثة والنصف. بل انظري ما الخطوات التي حددتموها في روتينكم . وأفسحي المجال لوقت أكبر وهكذا تتبعين الخطوات دون ضغط واستعجال .
- اطلبي المساعدة من طفلك : لو كان بعمر أكبر من 3 سنوات أخبريه برغبتك بوضع روتين لطيف لمهمة معينة ، واسمعي منه الاقتراحات وقوموا بوضع الروتين وتحديد الخطوات معاً بما يناسب الطرفين. ولو كان أصغر من هذا العمر أخبريه بالخطوات وهكذا سيشعر بأهميته، كما أنه سيكتسب مخزوناً لغويّاً كبيراً.
- كوني صاحبة قرار ثابت : عندما عقدت العزم بوضع روتين لطفلك تذكري بأن عليك الاستمرار في تطبيقه . لأن الاستمرارية هي السر الأقوى في التربية وفي تهيئة أطفالنا للمستقبل والحياة إن شاء الله .
السر في هذه الخطوات هو أن الروتين والنظام هو حجر الأساس لتهيئة الطفل للاستقلالية . وكلما نظمنا اكتساب المهارات الحياتية للطفل كلما اكتسبها الطفل بيسر وسهولة وأصبح مستعداً لاكتساب غيرها . وتذكري بأنّ كل مهارة يتقنها تزيد من ثقته بنفسه وقوته وتزيد من مهارة حل المشكلات لديه.
ايناس الحديدي